إن الله تعالى أنزل القرآن الكريم لنتدبر آياته ونعمل بها ونسبح بحمده ونشكره على أنه مدبر شؤوننا ومتحكم في مصائرنا، فلو أُسند الأمر إلى غيره لهلكنا، وسورة النصر لها معان ودلائل، تحتاج إلى إنعام نظر، لنعرف سبب نزولها ووقته وتفسير آياتها ووقْعِها على الصحابة.
محتويات
الهدف الرئيس من سورة النصر؟
كان لنزول سورة النصر وقع خاص على قلوب أصحاب النبي ﷺ، إذ غلب القول على أنها نزلت في حجة الوداع، وكانت آخر سورة تنزل على قلبه الشريف ﷺ، وليس آخر آية، وآخر آية كانت (وَاتَّقُوا۟ یَومࣰا تُرْجَعُونَ فِیهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفسࣲ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا یُظْلَمُونَ) [البقرة: 281] كما أنها نزلت جميعًا ولم تنزل آية آية، وأوّلَها عبد الله بن عباس بدنو أجل النبي ﷺ ووافقه عمر على قوله، إلى جانب ما فسره بعض الصحابة من أن هدف نزولها هو النصيحة والحث على التسبيح بحمد الله واستغفاره.
اختلاف العلماء في وقت نزول سورة النصر
اختلفت أقوال العلماء في وقت نزولها؛ فمنهم من قال إن وقت نزولها كان بعد عودة النبي من غزوة حنين، ومنهم من قال إنها نزلت تزامنًا مع غزوة خيبر، التي انتصر فيها المسلمون، ومن أهل العلم من قال إن سورة النصر نزلت في حجة الوداع وقت أن كان النبي بمِنى ونزل بعدها قول الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي…)، ولم يعش النبي بعدها إلا ثمانين يومًا.
تفسير آيات سورة النصر
فسَّر الطبري نصر الله في بداية سورة النصر (إذَا جَاءَ نَصرُ اللَّهِ وَالفَتْح) بنصر الله نبيه على قريش، وكان لابن كثير رأي آخر، فقال هو فتح مكة قولًا واحدًا.
وهناك فرق بين النصر والفتح اللذين وردا في قوله: (إذَا جَاءَ نَصرُ اللَّهِ وَالفَتْح)، أما النصر فهو النصر عمومًا على الأعداء، ولكن الفتح فهو تحصيل ثمرة هذا النصر، من خيرات يمنُّ الله بها وينعم على عباده.
وذكرت السيدة عائشة رضوان الله عليها أن النبي ﷺ لم يصل صلاة بعد أن نزلت سورة النصر إلا وقال فيها (سُبحَانَكَ رَبَّنَا وَبِحَمدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِر لِي)، وكان يكثر من قولها في ركوعه وسجوده، وعندما سئل عن ذلك قال إن الله أخبره بعلامة سيجدها فإذا وجدها سبح بحمده واستغفر، وكانت تلك العلامة المقصود ة في قوله تعالى: (إذَا جَاءَ نَصرُ اللَّهِ وَالفَتْح) هي فتح مكة.
(إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) إن الله يتوب على المستغفرين والمسبحين ويرحمهم، وقد أمر نبيه بالاستغفار وامتثل لأمر ربه فكان يستغفر ربه أكثر من سبعين مرة، وقيل مئة، كما جاء في الأحاديث. أفلا يكون النبي قدوتنا ونتأسى به، ونحن المذنبون المقصرون!
لماذا أُمر النبي ﷺ بالاستغفار؟
كان النبي يستقصر نفسه أمام نعم الله التي يغدق بها الله عليه ويحيطه بها، فشرّفه بحمل رسالة التبليغ وأعانه ونصره إلى غير ذلك، فكان يعد عدم إيفائه نعم الله شكرًا، ذنوبًا تستوجب الاستغفار، وكان دعاؤه مليء بالاستغفار.
وعندما سأله الصحابة عن استغفاره رغم أن الله غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، كان يقول أفلا أكون عبدًا شكورًا، وكان يرى ﷺ أن الاستغفار تعبدًا لله يجب الإتيان به وليس بسبب طلب المغفرة، وكان هذا الاستغفار منه ﷺ لرؤيته تقصيره في أداء حق الله تعالى، ولكيلا ينقطع إلى النظر إلى أعماله وما قدمه. وقيل في معنى (وَاسْتَغْفِرْهُ) أنه تنبيه للمؤمنين بألا ينفكوا عن الاستغفار بعد إيمانهم، وقيل أيضًا في معنى (وَاسْتَغْفِرْهُ): أي استغفر ربك لأمتك. اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا محمد الذي علم الأمة التواضع والأدب وكان رفيقًا رحيمًا بها.
سبحان من هذا كلامه، سورة النصر صورة قصيرة ولكنها تحمل معانٍ كبيرة، فهلّا تدبرناها!