قد يفعل الإنسان الخير وينسبه إلى نفسه، وينسى أن ما كان منه فهو بفضل الله وتوفيقه، ولو لم يرد الله به خيرًا لما أقامه على هذا الخير، فما تفسير قوله تعالى: (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ)؟ وعلى لسان من ذُكِرت، وفي أي موقف؟ ولماذا أردف بها كلامه.
فقد وردت الآية الكريمة (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (سورة هود الآية 88)) على لسان سيدنا شعيب عليه السلام عند دعوته لقومه.
محتويات
ما قصة الآية الكريمة
دعا سيدنا شعيب قومه إلى عبادة الله وحده، ونهاهم عن الخسران في الميزان والغش وأكل أموال الناس بالباطل، وجعل نفسه قدوة لهم فهو ينهاهم عما هو منتهٍ عنه، وما ذلك إلا رغبة منه في أن ينصلح حالهم، فهو يدعوهم وينصحهم قدر استطاعته فإن كان من توفيق فمن الله، فليس للداعية من الأمر شيء ولا يستطيع إجبار الناس على شيء.
فالإيمان الكامل يقتضي أن تؤمن بهيمنة الله الكاملة وقدرته المطلقة على جميع مخلوقاته، فهو يعلم بسقوط أوراق الشجر ويسمع دبيب النمل، ولا يحدث شيء في الكون إلا بعلمه ولا يتحرك ساكن إلا بأمره.
معاني وتفسير قوله تعالى (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ)
في معجم المعاني: التَّوْفِيقُ من الله للعبد: سَدُّ طريق الشَّرّ وتسهيلُ طريق الخير.
وفي تفسير قوله تعالى (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ) قال الإمام القرطبي (وما توفيقي) أي رشدي، والتوفيق: الرشد.
وقال الإمام البغوي في تفسير (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ) والتوفيق: تسهيل سبيل الخير والطاعة.
وفي تفسير ابن كثير (وَمَا تَوْفِيقِي) أي: في إصابة الحق فيما أريده.
وعند الطبري (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاَللَّهِ) يَقُول: وما إصابتي الحقَ في محاولتيْ إصلاحكمْ وإصلاح أمركمْ إلا باللهِ، فإنهُ هوَ المعينُ على ذلكَ، إنَ لا يعني عليهِ لمْ أصبْ الحقُ فيهِ.
وقال الإمام السعدي في (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ) أي: وما يحصل لي من التوفيق لفعل الخير، والانفكاك عن الشر إلا بالله تعالى، لا بحولي ولا بقوتي.
وما دفع سيدنا شعيب لقول ذلك إنما هو مخافة أن يُفهم من كلامه تزكية نفسه عندما قال (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ).
وقد قال سيدنا شعيب عليه السلام (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ) وهو هنا أثبت لنفسه استطاعة وقدرة ثم استثنى من تلك الاستطاعة قوله (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ)، فليست للعبد استطاعة أو قدرة يستقل بها دون الله سبحانه وتقديره، فقد كان يسعى لإصلاح مجتمعه بكل ما أوتي من علم نافع أو عمل صالح ولم يكن ليتمّ ذلك إلا بتوفيق الله وحوله، فالله يسبب الأسباب ويفتح على عباده وينير لهم طريقهم فيسيرون على هدى الله وتوفيقه وبذلك يتحقق مرادهم.
وقفات جمالية تُأخذ من الآية (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ)
- لا يغتر أحد بكثرة صيام أو صلاة؛ فحتى الأنبياء مع ما أوتوا من كرامات لا تنفعهم معجزاتهم إلا بحول الله وقدرته.
- علّمنا النبي ﷺ الدعاء «اللهم لا تكلني إلى نفس طرفة عين»، وعندما لا يكلنا الله إلى أنفسنا فذاك عين التوفيق.
- ليعلم كل من ارتقى درجات العلا ونال النجاح أنه لولا توفيق الله له لما ارتقى وما نجح.
- تأمل ما أصاب قارون حينما قال (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي) فخسف الله به وبداره الأرض، ولكن اجعل ديدنك وبداية عملك (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ)، فهو القائل في محكم كتابه (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّه).
- غالبًا ما تجد الموفقين متوكلين على الله، ومسلِّمين أمرهم إليه، يسعون ويجتهدون وينتظرون الجزاء.
- لماذا هنالك من يمتلكون أدوات النجاح ومع ذلك لا ينجحون؟ لأنه لم يصبهم توفيق الله. افتقر إليه وكن منيبًا يرزقك التوفيق والسداد.
وفي تفسير قوله تعالى (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ) من المِلح واللطائف ما لا يعد، فاجعلها شعارك قبل أي عمل.