تفسير قوله تعالى : (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ)


الصالحون والوعاظ دائمًا ما ينصحون اليائسين البائسين الذين يظنون ألّا بارقة أمل فيقولون (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ) فما تفسير هذه الآية؟ ولماذا يستشهدون بها خصوصًا؟ وفي أي مَعْرِض ذُكرت؟ وعلى لسان مَن؟ ولماذا كانت تلك النصيحة؟ هيا بنا لنتعرف على تفسيرها ومغزاها ونستنبط فائدتها وأثرها.

قال تعالى في سورة يوسف على لسان سيدنا يعقوب: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴿87﴾، فما قصة هذه الآية؟

قصة الآية

عندما طال غياب سيدنا يوسف ولحقه أخوه بنيامين فقد عانى الأب يعقوب مرارة فقدهما، فطلب من أبنائه أن يلتمسوهما ويتعرفوا من خبرهما لعلهم يجدونهما، وأتبع طلبه بنصيحة غالية يستحثهم فيها على البحث بثقة وتيقن من رحمة الله وفرجه وقدرته، وعضَّض كلامه وأكده بأنه لا ييأس من رحمته سبحانه إلا القوم الكافرون به الجاحدون قدرته.

المعنى اللغوي للآية (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ)

اليأس: هو القُنوط، وفقدان الأمل، وقيل: اليَأْس نقيض الرجاء.

الروح: الرَّوْحُ: الرحمة والفَرَج. وطَلَبَ رَوْحَهُ: رَحْمَتَهُ.

تفسير قوله تعالى : (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ)

انبرى المفسرون يوضحون معنى الآية ويستنبطون مدلولاتها ومآلاتها؛ لنستطيع فهم القرآن العظيم ولنستشعر الأثر النفسي الذي تنقشه في نفوسنا.

شاهد أيضًا:  من الذي نقط القرآن الكريم

جاء في الطبري: (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ): ولا تقنطوا من أن يُروِّح الله عنا ما نحن فيه من الحزن على يوسف وأخيه بفرَجٍ من عنده، فيرينيهما.

وعن قتادة أنه قال (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ): أي من رحمة الله.

عن ابن إسحاق قال: (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ): أي من فرجه.

وجاء في تفسير ابن كثير عن يعقوب أنه نهضهم وبشرهم وأمرهم ألا ييأسوا من روح الله، أي: لا يقطعوا رجاءهم وأملهم من الله فيما يرومونه ويقصدونه؛ فإنه لا يقطع الرجاء، ويقطع الإياس من الله إلا القوم الكافرون.

وجاء في تفسير القرطبي: (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ) أي لا تقنطوا من فرج الله، وهذا ما قال به ابن زيد يريد: أن المؤمن يرجو فرج الله، والكافر يقنط في الشدة.

ويقول الدكتور عبد المحسن المطيري معلّقًا على تفسير الآية (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ): روح الله: رحمة الله التي يحصل بها الترويح عن النفس.

وهكذا فإن الآية تحمل معنى ظاهريًا لا يخفى على أي ناظر وهو عدم القنوط من رحمة الله؛ لأن اليأس من رحمة الله من الكبائر كما جاء في السنة المطهرة، وكما أشارت نهاية الآية الكريمة (إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ).

شاهد أيضًا:  آيات تدل على سماحة الإسلام في القرآن الكريم

ومع ما للآية من معنى يدنو إلى الناظر إلا أن لها إشارات وأسرار يستشفُّها المتأمل.

وقفات جمالية في قوله: (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ)

  • يُعلِّم الشيخ الكبير الأعمى المكلوم أبناءه المبصرين الفأل والإيجابية والسعي، وهو محسن الظن بالله، ونتيجة لإيمانه الكامل بالله وعدم يأسه وقنوطه من روحه يُبشَّر بعد ذلك بالفرح ويذهب ما به من غم وكرب فيجتمع بابنيه ويرد الله عليه بصره.
  • أمر سيدنا يعقوب أبناءه بالتحسس والبحث عن أبنائه معتمدين على الله فهو الذي سيهديهم لأخيهم ثم بعد ذلك نصحهم بعدم اليأس منه سبحانه، فالرجاء الذي يطلبونه من الله يتطلب منهم السعي أولًا وعدم الركون والانتظار، فأولى ما يرجوه العبد من ربه هو رحمته ورَوْحه وفضله وإحسانه.
  • مع ما كان من الشيخ المفجوع بولديه من حزن وغم فإن ذلك لم يضعف إيمانه ولم يزحزح ثقته بالله، فقد اصطفى الله نبيه وأدخله في امتحان صعب، ولكن أقامه على طريق اليقين، وهكذا هم عباد الله المخلصون وأولياؤه إذا اشتد بهم البلاء زاد يقينهم بالله.
  • تعلَّق بربك فاليأس لا يسكن قلبًا متعلقًا بخالقه، والمؤمن لا تستغرقه المصائب والمحن، ففي كل محنة منحة، فقط عليك البحث عن الحل والاعتماد على الله.

ترياق حزنك ودواء غمك هو الثقة واليقين بالله، استبشر خيرًا يبشرك الله وامتلئ أملًا واستمع لنصيحة جدنا يعقوب (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ).