ما دمنا نؤمن أن قدرة الله فاقت كل قدرة، فمن هذه القدرة التي تتجلى، قدرته في إعجاز القرآن الكريم، كلامه سبحانه وتعالى. وتَعدَّد إعجاز الله تعالى في القرآن وتنوع بين إعجاز بياني وإعجاز علمي وإعجاز بذكر الغيب وإعجاز رقمي وإعجاز الحروف المقطعة، هذا غير أن هناك إعجاز في ألفاظ القرآن وأسلوبه، وفي معناه وأخباره وتشريعاته، وإعجاز في اختلاف تأثيره، ومع ما يحمله القرآن من معجزات بالغة فإنه يهدي من أراد الهدى، ويضل من أراد الضلال والغواية.
محتويات
إعجاز القرآن الكريم لفظًا وتركيبًا
كلام الله تعالى جزل رصين لا يشبه كلام الكهان ومدعي النبوة، كلام عربي فصيح بليغ، قوي البيان لا يشبهه لفظ، ولا يماثله تركيب. ترتقي ألفاظه وعباراته وتسمو، فيعطي المعنى الكبير في العبارات القصيرة، ويفصل ويشرح ويكرر مع اختلاف التأثير والهدف.
إعجاز القرآن الكريم في المعاني
معاني القرآن محكمة، لم يأت الله تعالى بكلمة زائدة أو بلا فائدة، كل حرف وزيادة وضعت لتضيف معنى، ثم إنه إذا قرع الأسماع اخترق القلوب فاستشعرت النفوس لذته وحلاوته حينًا وروعته ومهابته حينًا آخر، قال تعالى:
(لَو أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ…)
الحشر:21
وقال أيضًا:
(… تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ)
الزمر:23
الإعجاز العلمي في القرآن الكريم
كم من عالم ملحد أسلم بسبب ما توصل إليه من علم ووجده مذكورًا في القرآن من قبل كل تلك الاكتشافات العلمية! فالقرآن مليء بالآيات والظواهر الكونية، والتفسيرات العلمية، ومُفصِّل لخلق الإنسان منذ كونه نطفة، وبعد ما درس الإنسان كل ما درس وعكف العلماء على البحث والاستقصاء لاستكشاف أصل الأشياء وكيف كانت وكيف تتطور يفاجؤون بأنها مذكورة في القرآن. فيدعونا الله إلى التأمل في الآفاق وفي أنفسنا، فكلما تأملنا أبصرنا عجيب صنع الله وازددنا إيمانًا واستصغرنا أنفسنا أمام عظمته سبحانه وتعالى.
الإعجاز البياني في القرآن الكريم
من قوة كلام الله وحججه الداحضة كان الكفار قديمًا يخشون سماعه كيلا يتعلقون به ويؤمنون، وكانوا يتواصون بهذا، قال تعالى على لسان زعمائهم: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْءَانِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) وحتى في زماننا تجد المشككين يهربون في بادئ المناظرة لأنهم لم ولن يستطيعوا مجاراة إعجاز القرآن الكريم أو طمس الحقائق الكونية أو الإتيان بأدلة دامغة والقرآن كله براهين ودلائل. فجمال بيان التعبيرات الإلهية إعجاز يسجد أمامه المؤمنون، ويغتاظ منه أهل الكفر والعناد.
إعجاز القرآن الكريم إعجاز عددي
من العلماء من اهتم بالاستقصاء والعدد وشغل نفسه بذكر بعض الكلمات وتكراراتها في القرآن الكريم، فكان العجب العجاب، إذ صادف مثلًا ذكر المرأة والرجل بالتساوي، وتكرر ذكر النار 7 مرات بعدد أبوابها والجنة 8 مرات بعدد أبوابها في سورة محمد، كما تكرر ذكر سيدنا عيسى مثلما تكرر ذكر سيدنا آدم، وتوافق ذلك مع ما ذُكر في الآية الكريمة: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ) [آل عمران: ٥٩]، وغير ذلك من التوافقات العجيبة التي تبين الإعجاز في القرآن الكريم من نواحٍ عدة.
محاولات لمحاكاة القرآن
كثير من ادعى النبوة ومنهم من حاول تأليف سورة على شاكلة القرآن الكريم، ولكنها خرجت خاوية المعنى إن حاول تتبع الحروف وتقليديها، أو ركيكة إن اهتم بتمثل المعنى فأذهب للحروف رونقها وللكلمات وقعها وفصاحتها، أو كانت شبيهة بالشعر أو النثر إن حاول تقليد النظم. وهكذا باءت كل محاولاتهم بالفشل، واندثرت تأليفاتهم ولم يستسغها أحد، وحفظ الله كتابه في الصدور وفي الكتب.
لقد تحدى الله أن يأتي أحد بمثل القرآن، ولكن كما أن الله ليس كمثله شيء، فكلامه لا يشبهه كلام، وإعجاز القرآن الكريم لا ينتهي، وأمثلته عديدة مما لا يتسع المقام لذكرها.